مصدر مشتق من قرأ
" يقال قرأ قراءة وقرآنًا ،والمصدر يدور على الجمع والضم ، ومنه قوله تعالى :
( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ . فَإِذَا قَرَأْنَاهُ
فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ) سورة القيامة ،ثم نقل لفظ القرآن من المصدرية وجعل علمًا
،"قال أَبو إِسحق النحوي[1]: يُسمى كلام اللّه تعالى الذي أَنزله على نبيه
صلى اللّه عليه و سلم؛ كتابًا وقُرْآنًا و فُرْقانًا، ومعنى القُرآن معنى الجمع
وسمي قُرْآنًا؛ لأَنه يجمع السور فيَضُمُّها. وقوله تعالى ( إِنَّ علينا جَمْعه
وقُرآنه)، أَي جَمْعَه و قِراءَته،( فَإِذا قراناه فاتَّبِع ). (ابن منظور , 1977,ص69 )
قال الإمام الزرقاني في كتابه ( مناهل العرفان ,1995
, ص 11)" : أما لفظ القرآن فهو في اللغة مصدر مرادف للقراءة ثم نقل من هذا
المعنى المصدري وجعل اسمًا للكلام المعجز المنزل على النبي _صلى الله عليه وسلم_من
باب إطلاق المصدر على مفعوله .
أنه ليس بمشتق
ولكنه علم على كلام الله تعالى المنزل على الرسول _صلى الله عليه وسلم_ "
وكان يقول: القُران اسم وليس بمهموز، ولم يُؤْخذ من قَرَأْت، ولكنَّه اسم لكتاب
اللّه مثل التوراة و الإِنجيل، ويَهمز قرأْت ولا يَهمز القرآن( ابن
منظور , 1997,ص69)
" القرآن هو
التنزيل العزيز أي المقروء المكتوب في المصاحف وإنما قدم على ما هو أبسط منه
لشرفه. قرأه وقرأ به بزيادة الباء كقوله تعالى
تنبت بالدهن وقوله تعالى يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار أي تنبت الدهن ويذهب الأبصار وقال الشاعر:
سود المحاجر لا يقرأن
بالسور ) الزبيدي , 1425,ص186)
تعددت آراء العلماء في تعريف القرآن اصطلاحًا فقد وذلك بسبب
تعدد الزوايا التي ينظر العلماء منها إلى القرآن.
القرآن هو كلام الله المنزل على النبي محمد _صلى الله عليه وسلم
_المكتوب في المصاحف المنقول بالتواتر المتعبد بتلاوته المعجز بأقصر بسورة منه من سورة الفاتحة إلى سورة "هو
كلام الله تعالى المنزل على سيدنا محمد _صلى الله عليه وسلم_ بلفظه ومعناه
والمنقول إلينا بالتواتر (
الزرقاني , 1995, ص11 )
هذا الإطلاق "ينسب إلى علماء الأصول
والفقه واللغة العربية ، ويوافقهم عليه المتكلمون أيضا ، غير أن هؤلاء الذين
أطلقوه على اللفظ المنزل_ الخ_ اختلفوا في تعريفه فمنهم من أطال في التعريف وأطنب
بذكر جميع خصائص القرآن الممتازة ،ومنهم من اختصر فيه وأوجز ، ومنهم من اقتصد
وتوسط ، فالذين أطنبوا عرفوه بأنه الكلام المعجز المنزل على النبي _صلى الله عليه
وسلم_ المكتوب في المصاحف المنقول بالتواتر المتعبد بتلاوته وأنت ترى أن هذا
التعريف جمع بين الإعجاز والتنزيل على النبي _صلى الله عليه وسلم_ والكتابة في
المصاحف والنقل بالتواتر والتعبد بالتلاوة ، وهي الخصائص العظمى التي امتاز بها
القرآن الكريم ، وإن كان قد امتاز بكثير سواها ، ولا يخفى عليك أن هذا التعريف كان
يكفي فيه ذكر بعض تلك الأوصاف ويكون جامعا مانعا غير أن مقام التعريف مقام إيضاح
وبيان فيناسبه الإطناب لغرض زيادة ذلك والبيان ، لذلك استباحوا لأنفسهم أن يزيدوا
فيه ويسهبوا ، والذين اختصروا وأوجزوا في التعريف منهم من اقتصر على ذكر وصف واحد
هو الإعجاز ، ووجهة نظرهم في هذا الاقتصار أن الإعجاز هو الوصف الذاتي للقرآن ،
وأنه الآية الكبرى على صدق النبي _صلى الله عليه وسلم_ والشاهد العدل على أن
القرآن كلام الله ، ومنهم من اقتصر على وصفين هما الإنزال والإعجاز وحجتهم أن ما
عدا هذين الوصفين ليس من الصفات اللازمة للقرآن ، بدليل أن القرآن قد تحقق فعلا
بهما دون سواهما على عهد النبوة ، ومنهم من اقتصر على وصفي النقل في المصاحف
والتواتر لأنهما يكفيان في تحصيل الغرض وهو بيان القرآن وتمييزه عن جميع ما عداه
،والذين توسطوا منهم من عرض لإنزال الألفاظ وللكتابة في المصاحف وللنقل بالتواتر
فحسب موجها رأيه بأن المقصود هو تعريف القرآن لمن لم يدركه زمن النبوة وأن ما ذكره
من الأوصاف هو من اللوازم البينة لأولئك الذين لم يدركوها بخلاف الإعجاز فإنه غير
بين بالنسبة لهم وليس وصفا لازما لما كان أقل من سورة من القرآن ، ومن أولئك الذين
توسطوا من عرض للإنزال والنقل بالتواتر والتعبد بالتلاوة فقط مستندا إلى أن ذلك هو
الذي يناسب غرض الاصولين (الزرقني , 1995,ص12 )
أولاً:تعريف التربية في اللغة :
تعددت دلالات كلمة التربية في معاجم اللغة العربية وتنوعت، إلا
أنها تشير في معظمها إلى عدة أصول لغوية
يمكن بالإطلاع عليها تحديد المعنى اللغوي للتربية، ويمكن إجمالها في خمسة أصول :
ربا يربو بمعنى زاد ونما ، ومنه قوله تعالى (
وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو
عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ
فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ) سورة الروم .
الأصل
الرابع :" أن تكون بمعنى أصلح وأسس، ومنه ربيت القوم أي أسستهم والعرب تقول
:لأن يربيني فلان أحب إلي من أن يربيني فلان،بمعنى أن يكون فوقي وسيدا يملكني
ويتضح
مما سبق أن التعريفات اللغوية تدور حول الرعاية والمحافظة والسياسة والعلم
والتنمية والزيادة والنشأة والترعرع.
وردت تعار يف
متنوعة للإعراب عن معنى التربية، ومن الملاحظ أن سبب الاختلاف في التعاريف راجع
لتركيز صاحب كل تعريف على جانب من الجوانب الداخلة تحت المفهوم العام للتربية،
فنجد من يعرفها على أساس النمو الجسدي، أو العقلي، أو النفسي , ومنهم من يعرفها على أساس النتائج
المتوقعة من العملية التربوية ومنهم من يعرفها بربطها بالفلسفة فيسميها فلسفة
التربية أو علم النفس التربوي[2] ،ومنهم من يركز على التطور الفكري فيعرفها على أنها الفكر التربوي .
· تعرّيف
التربية باعتبار النمو:
· تعريف
التربية عند علماء التربية:
"هي نمو
الكائن البشري من خلال الخبرة المكتسبة من مواقف الحياة المتنوعة, ويقصد بالنمو
اكتساب خبرات جديدة متصلة ومرتبطة ارتباطًا معينًا لتكون نمطًا خاصًا بشخصية الفرد
وتوجهه إلى المزيد من النمو ليتحقق بذلك أفضل توافق بين الفرد وبيئته. (
عاقل ,1983,ص27 )
· يمكن
تعرّيفها بربطها بالفكر :
بأنها
"المفاهيم التي يرتبط بعضها ببعض في إطار فكري واحد يستند إلى المبادئ والقيم
التي أتى بها الإسلام والتي ترسم عدداً من الإجراءات والطرائق العملية يؤدي
تنفيذها إلى أن يسلك الفرد سلوكاً يتفق مع عقيدة الإسلام ( سعيد واخرون
, 2004,ص6 )
· تعريفها
بربطها بالمفهوم الإسلامي:
وختامًا لابد لنا
من تعريفها بربطها بالمنظور الإسلامي لأنه هو الأهم في مجال البحث ولا يمكن أن
تحقق التربية غايتها إلا وفق قيم الإسلام ومفاهيمه .
ويمكن تعريفها من خلال الربط بين مفهوم التربية ومفهوم
الإسلام بأنها "إحداث تغيير في سلوك الفرد في الاتجاه المرغوب فيه من وجهة
نظر الإسلام .(ايولاوي ,1999,ص 18)
الأساليب
التربوية في القران الكريم :
الأسلوب التربوي بالخطاب الوجداني أو الخطاب النفسي
الخطاب الوجداني:" هو الخطاب الذي يستهدف
العواطف، ويدعوها لتكوين موقف محدد تجاه قضية مقصودة .
وتعرف العواطف بأنها:
"استعداد وجداني للشعور بتجربة وجدانية خاصة للقيام بسلوك معين إزاء شيء، أو
شخص معين ،أو جماعة معينة، أو فكر مجرد .
والوجدان
:"هو مصدر من الوجد وهو الشعور والعاطفة ، كما تطلق على الضمير.
ووجد: وجدَةً وَوَجْدً،ا
وَوَجُودًا، ووَجْدَانًا، وإجدَاننًا .
كما يعرف أيضا بأنه:
تنظيم
مركب من عدة انفعالات ركزت حول موضوع معين من الخبرات السارة وغير السارة .
ويمكننا أن نستنبط من التعريفين أن إثارة الانفعال تجاه موضوع محدد
يحدث تأثير في النفس يدعوه لاعتناق فكرة الموضوع أو تركه ، وأن تكرر الانفعال يجعل
التوجه ثابت وقطعي ( الزعيلاوي , 1988 , ص 318 )
الإعجاز التربوي الخطابي في القرآن:
للقرآن الكريم خصيصة
لم توجد في غيره من الكتب قال تعالى:( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ
جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ
إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ
يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)سورة الزمر ، وقد خاض الباحثون في الحديث عن جوانب الإعجاز القرآني من
أوجه متعددة فأطنبوا في بيان إعجازه البلاغي والبياني واللغوي والفقهي والتشريعي
والتاريخي والجغرافي ،والعلمي ، وقد أبدع كل في مجاله نسأل الله لهم الأجر .
ولكن
أريد في هذا الفصل الوجيز أن ألقي نظرة على الجانب التكاملي للإعجاز القرآني كوحدة متكاملة سعت إلى تربية والنفوس
وحث مكامن العمل في الطبيعة الإنسانية إلى ألانتفاض واليقظة للتجاوب مع المضمون
التربوي في الأسلوب القرآني واعتناق الفكرة المدعو إليها ثم العمل بمضمونها.
ويلاحظ أن الخطاب القرآني يطرق القلوب ويلمس جوانب الانفعال في النفس
البشرية نوع جديد من الإعجاز سماه الباحثون في مجال الإعجاز القرآني بالإعجاز
التأثيري.
يقول الإمام الخطّابي: " في إعجاز
القرآن وجه آخر ذهب عنه الناس فلا يكاد يعرفه إلا الشاذّ من آحادهم، وذلك حيفة بالقلوب ، وتأثيره في النّفوس فإنّك لا تسمع
كلاماً غير القرآن وتنشرح له الصدور حتى إذا أخذت حظّها منه عادت إليه مرتاعة قد
عراها الوجيب، والقلق تغشّاها الخوف والفرق تقشعرّ منه الجلود، وتنزعج له القلوب
يحول بين النفس وبين مضمراتها وعقائدها الراسخة فيها.
فكم من عدو للرسول _صلى الله عليه وسلم _من رجال العرب، أقبلوا يريدون
اغتياله، وقتله فسمعوا آيات القرآن فلم يلبثوا حين وقعت في مسامعهم أن يتحوّلوا عن
رأيهم الأوّل، وأن يركنوا إلى مسالمته، ويدخلوا في دينه، وصارت عداوتهم موالاة
وكفرهم إيماناً .
"و للقرآن سرُّ خاص على النفوس حتى
يبلغ أن يؤثّر بتلاوته المجرّدة على الذين لا يعرفون العربية، وعلى العوام الذين
يستمعون إلى تلاوته لا يطرق عقولهم منه شيء، لكن يطرق قلوبهم إيقاعه ويظهر على
ملامحهم سره . ( السيوطي , 1951 ,ص 156)
وهو سر غلب سائر ما عرفته
البشرية بوجه عام، والعرب البلغاء بوجه خاص من أساليب في تربية النفوس وتزكيتها،و
احتارت عنده العقول ،وذابت لأجله القلوب، ووقفت عنده البشرية عاجزة عن إدراك كنه
أو معرفة سره ، يستوي في ذلك من سمعه ،وصدقه وآمن به ،أو من سحر به، ولكنه كذب على
نفسه وفر إلى كفره .
فهذا عمر _رضي الله عنه_ يقول:"فلما سمعت
القرآن رق له قلبي فبكيت ودخلت الإسلام.
وهذا الوليد بن المغيرة يقول لكفار قريش:فوالله
ما منكم رجل أعلم مني بالشعر، ولا برجزه، ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن ، والله ما
يشبه الذي يقول شيئا من هذا ، والله إن لقوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة ، وإنه ليحطم
ما تحته وإنه ليعلوا وما يعلى .
وهي خاصية تتسلل إلى داخل النفوس وإن اختلفت مضامينها، وأهدافها بطريقة
سهلة بسيطة لتثير في كل نفس دافعية تدعوه إلى ألإيمان والعمل وتتوافق مع فطرته
الخاصة،و تختلف عن دافعية النفوس الأخرى .
وهذه الدافعية عرفها علماء النفس بأنها: " ما يدفع الفرد للقيام بنشاط سلوكي
ما وتوجيه هذا النشاط نحو وجهة معينة سعيا
وراء تحقيق الهدف .
وهذه الدافعية كما قلنا تختلف من شخص لشخص لأن الفروق بين الناس
"حقيقة ثابتة : فبالرغم من أن جميع الناس يخضعون لنفس القوانين السيكولوجية
في النمو والإدراك والتفكير والتعليم إلا أنهم يختلفون في ذلك ، فكل شخص له نمطه
الخاص به
والقرآن الكريم في خطابه التربوي يثير الدافعية للاستجابة لدى جميع الأشخاص
رغم اختلافهم باثارة ما يمكن أن نسميه مفتاح الخطاب لكل نفس بما يناسبها .
منظوراً ولا منثوراً، إذا قرع السمع خلص له إلى
القلب من اللّذة، والحلاوة في حال، ومن الروعة، والمهابة في أخرى، ما يخلص منه
إليه تستبشر به النفوس . (الخطيب ,2004 ,ص 129 ) .
يقول المتخصصون في الدراسات النفسية"أن
لكل إنسان عاطفة سائدة وهي العاطفة الغالبة التي " توجه سلوكه إلى ناحية
معينة وتكون لها الزعامة والسيطرة على غيرها من العواطف (الزعيلاوي , 1988م , 320
)
وهو ما سيكون تركيزنا على بيانه بإذن الله خلال هذا الفصل لإعطاء أمثلة
متنوعة من أساليب القرآن الكريم للتربية والتي تقوم على إثارة أنواع متعددة من
العواطف السائدة والمتوافقة مع الفطرة التكوينية للبشر .
الأساليب التربوية في الخطاب القرآني :
تنوعت الأساليب التربوية في الخطاب القرآني للتناسب مع تنوع دافعية
الاستجابة لدى جميع المستمعين لآيات القرآن الكريم ، فالقرآن الكريم هو في بداية
الأمر كتاب من عند الله الخالق جل شانه فهو يراعي فطرة الإنسان ويلبي احتياجاته،
ومتطلباته الخاصة على أنه فرد واحتياجاته ومتطلباته العامة للطبيعة الإنسانية .
وهو كتاب هداية ،فنجده يطرق أبواب النفوس على اختلافها ليهدي الناس إلى
الطريق القويم
الدوافع الأساسية للإنسان:
"يمكننا تقسيم الدوافع للسلوك الإنساني
إلى ثلاثة أنواع :
دوافع فطرية، عضوية:
كالدافع لحب الذات، واتقاء الألم
دوافع اجتماعية:
كالدافع للتقليد
ودوافع مثالية.
كالدافع لإعلاء كلمة الله تعالى وبذل النفس في سبيل
ذلك (منصور , 2005م, ص 32)
اشتمال الخطاب القرآني على الدوافع المتنوعه:
نلاحظ أن الآيات التي تخاطب الوجدان البشري تتنوع بين أنواع الدوافع ،
للتناسب مع جميع مذاهب النفوس فهي تارة تخاطب الوجدان بإثارة الدوافع الفطرية
،فالإنسان يميل إلى حب ذاته، والبعد عما يسبب له الهلاك أو الألم فيكون من المناسب
استخدام الأساليب التي تحرك هذه العاطفة وتدفعه للعمل والإيمان والسير نحو طريق
الله تعالى، والبعد عن طريق الشيطان كاستخدام أسلوب الترغيب والترهيب.
كما أن وجود نموذج ملموس يجعل النفوس تتوق لتقليدها والاحتذاء بها ، فيكون
من المناسب إتباع أسلوب إثارة الدافع الاجتماعي لتحقيق التربية الصحيحة ،وإيجاد
أنموذج واضح يمكن الاقتداء به ،كإيجاد قدوة صالحة بذكر قصص الأنبياء والصالحين،أو
أظهار النماذج التي ينبغ الابتعاد عن الاقتداء بها .
يقول
الغزالي_ رحمه الله_"إن الصبي الذي يخلي طبعه إذا أردنا نحبب إليه غائب، أو
حاضر حيا، أو ميتا لم يكن لنا سبيل إلا بالإطناب في وصفه بالشجاعة، والكرم ،والعلم
،وسائر الخصال الحميدة . ( الزعيلاوي ,1988,ص21 )
و من أكثر الأساليب مناسبةً لهذه الدوافع أسلوب
القصة القرآنية ،و أسلوب القدوة.
وأما من كان لديه الميل
الوجداني للمثالية فيكون بإثارة مكامن هذا الدافع في قبله ،والتركيز على موطن
المثالية فيه بعد ربطها بالحق سبحانه وتعالى ومن أنفع الأساليب لمن لديه هذا النوع
من الدافعية أسلوب ضرب المثل .
الفوائد التربوية من أسلوب الخطاب الوجداني:
تحديد
نقطة التأثير ونوع الانفعال قبل اختيار الأسلوب التربوي:
فعلى من أراد أن يحتذي بأسلوب القرآن الكريم في التربية التأمل والتوقف
مطولا للبحث في الصفة الانفعالية في الشخص والتي هي (مفتاح الشخصية)، ومن ثم
إثارتها ثم حثها لاعتناق الفكرة المرجوة .
الاستفادة من التكرار:
تحديد الهدف،
والاستمرارية في الدعوة إليه مع تغير الأساليب من وقت لأخر يؤدي بعد توفيق الله تعالى إلى تحقيق الغاية المطلوبة، وقد استخدم القرآن الكريم التأثير
الوجداني في الدعوة للشيء، ثم إعادة الدعوة إليه في مواطن متنوعة من آيات القرآن
الكريم لضمان ثبوتها في النفوس وعدم زوالها، فنجد أن الموضوع الواحد قد ورد ذكره
في أكثر من موضع في القرآن الكريم وقد تنوعت الأساليب التي قامت بمعالجته وبيانه
والدعوة إليه .
من أمثلة هذا الأسلوب:
نوع القرآن الكريم في أساليبه الخطابية لإثارة كافة الانفعالات
النفسية التي تؤدي بصاحبها إلى الاستجابة ،وتثير مكامن الوجدان بأسلوب سهل بسيط
يتسلل إلى داخل الإنسان فيقر في قلبه أن هذا القرآن و من عند الله.
قال تعالى : ) فَلْيَنْظُرِ
الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ
شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا
* وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا *وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا
لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) سورة عبسى .
يعرض القرآن
الكريم في هذه الآيات على كفار مكة مشاهد
محسوسة و معروفة تطالع حواسهم في كل لحظة ، وتواجه بديهتهم في كل نظرة، وتتصل
بحياتهم ومعيشتهم، وتلمس شعورهم، ووجدانهم ، وهو يوجههم إلى هذه المشاهد يعرضها
عليهم كأنها مشاهد جديدة ، يدعوهم للتأمل فيها، والتفكر بأحوالها بنظرة جديدة تقود
إلى الأيمان والوحدانية فهو يقوم بعرض قضية كبرى ؛هي قضية التوحيد بأسلوب بسيط بديهي
لا يملك أمامها المجادل إلا السكوت.(الخطيب, 2004, ص 132)
وكون الأسلوب التربوي في الخطاب الوجداني دليل
على الإعجاز التأثير في القرآن يرشدنا إلى أن جميع الانفعالات التي يحتاج المربون
لإثارتها في النفس البشرية عند إرادة
معالجتها بما يصلحها يمكن اقتباسها من أسلوب الخطاب الوجداني القرآني ،لأنه الأسبق
في العلاج ، والأوضح في المنهاج ، وأسلوب الخطاب الوجداني هو أسلوب شامل
لجميع الأساليب التي تقوم على تلبية الحاجات الفطرية ،والنفسية .
ثانيا : التربيـــــــــــــــــــــة
بالترغــــــــــيب والترهــــــــــــيب :
الترغيب والترهيب من الأساليب القرآنية
المتقابلة ،قال تعالى ( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا
مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ
رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ
هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ
هَادٍ) سورة الزمر .
والمثاني "تثنية القصص والأحكام والوعد والوعيد ،وصفات أهل الخير
وصفات أهل الشر.
وآيات القرآن الكريم في توافق تام لا تعارض بينها ولا تضارب ، كل آية تكمل الأخرى
والاختلاف بينها اختلاف في موضوعاتها فقط ، وتنوع الأساليب هو تنوع كمال لا نقص
،"والملاحظ أن كتاب الله ملئ بما يرغب الناس في قبول دعوة الحق ، وإلى ما فيه
خيرهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة ،كما أنه ملئ بما ينفر الناس من الضر و الكفر
ومن اتباع طريق الهوى والشيطان وطريق الشر والإثم .
معنى الترغيب والترهيب في اللغة :
الترغيب في اللغة :
" من الرغبة وهو إرادة الشيء يقال:رغبت الشيء إذا
أردته ، قال تعالى (. وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب) سورة الشرح
كما يمكن إطلاق الرغبة على الزهد في الشيء ، قال تعالى :( وَمَنْ يَرْغَبُ
عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ
فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) سورة البقرة .
معنى
الترهيب في اللغة:
مصدر
من رهب كَعَلمَ ، رهبه ورهْبًا،بالضم والفتح وبالتحريك ،وأرهبه وسترهبه:أخافه .
فيكون الترهيب بمعنى: "التخويف والتوعد .
معنى الترغيب والترهيب في الاصطلاح:
الترغيب:هو كل ما يشوق المدعو إلى الاستجابة
وقول الحق والثبات عليه.
الترهيب في الاصطلاح:
"هو كل ما يُخيف، وكل ما يُحذر المدعو من
عدم الاستجابة للحق أو عدم الثبات عليه.
بماذا يكون الترغيب والترهيب في التربية
القرآنية ؟
يكون الترغيب بالوعد والإطماع بما سيتحقق في الحاضر أو المستقبل القريب أو
البعيد ، ولا شك أن الوعد الذي سيتحقق لا محالة وعد الله جل شأنه ، قال تعالى :(..إِنَّ
اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) سورة ال
عمران , أما وعد غير الله . ( باحاذق ,1994 , ص 129,128 ) . فيمكن أن يتحقق ويمكن أن لا يتحقق، قال تعالى : (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ
بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ
وَاسِعٌ عَلِيمٌ) سورة البقرة .
وأما الترهيب يكون بالوعيد والتخويف بآثار مترتبة على العمل المنهي عنه ،
سواء كان هذا الوعيد بالشيء القريب أو البعيد ،قال تعالى:( وَمَنْ يَقْتُلْ
مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ
عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا.) سورة النساء .
الأصل في الترغيب والترهيب:
"الأصل في الترغيب أن يكون "في سبيل رضى الله ،ورحمته،وجزيل ثوابه
في الآخرة،والأصل في الترهيب أن يكون التخويف من غضب الله وعذابه الأليم في الآخرة.
توافق أسلوب التربية بالترغيب والترهيب مع
الفطرة البشرية:
من الدوافع الأساسية التي تسوق سلوك الإنسان
الدوافع الفطرية والتي تنقسم إلى قسمين :
دوافع موجهة لحفظ الذات .
ودوافع موجهة لحفظ النوع.
ومن الدوافع الموجهة لحفظ الذات ، دافع اتقاء الألم الذي يمكن إثارته بالترهيب لأن الإنسان يبذل
جهده ليتجنب ما يسبب له الألم سواء كان نفسي، أو جسدي ، وفي سبيل ذلك يتجاوب مع
المؤثرات التي تثير في داخله دافع الخوف من الإصابة بالألم، وهو يظهر على شكل
اضطراب يدعو العقل للتأمل والتفكر،ثم اتخاذ موقف للنجاة والفرار ، قال تعالى:( إِذْ جَاءُوكُمْ
مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ
الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا )سورة الأحزاب
والخوف من الألم يولد نوع من الاستجابة يختلف باختلاف العقيدة ،"
فالمؤمن إن خاف الله يفر إليه، ويُقبل عليه، ويبدل حاله إلى ما يحب الله فينجيه
الخوف من عذاب جهنم ويؤمنه من المخاوف الأخرى ( الزعيلاوي , 1988,ص 194 )
والترغيب يعتمد على إثارة انفعال الرجاء وهو من فطرة الله تعالى في الإنسان
،والقرآن الكريم لا ينكر هذا الدافع للعمل ، أقصد دافع الرجاء أو العمل لحصول
محبوب للنفس ،بل نجد أن القرآن الكريم يهتم بإشباع هذا الميل الفطري ولكن وفق
الطريق الصحيح ، وخير دليل على ذلك آيات القرآن الكريم التي لا تنكر على الفطرة البشرية الرجاء والطمع
في النعيم والطيبات؛ قال تعالى: ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين ) سورة آل
عمران .
وقال
تعالى ( مثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ
حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ
وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) سورة البقرة .
وقال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ
وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ
وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا
بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) سورة
التوبة قال تعالى: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ
أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ. (سورة الأنعام .
كيف مارس القرآن الكريم أسلوب التربية بالترغيب
والترهيب :
نوع القرآن الكريم في مضامين التربية بأسلوبي الترغيب والترهيب ، وباعتبار
أن الأسلوبين يتوافقًا مع الفطرة التكوينية للإنسان فقد استخدمها القرآن الكريم في
عدة اتجاهات تربوية منها:
الدعوة إلى الوحدانية والإيمان بالترغيب والترهيب:
رتب القرآن الكريم على الإيمان بالله تعالى وتصديق الرسل أفضل الدرجات،
وأعلاها من الثواب في الآخرة، والعزة والنصرة في الدنيا؛ قال تعالى:( وَعَدَ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي
الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ
دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ
أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون ) سورة النور .
كما توعد الله من كفر به، وعصاه ،ولم يؤمن برسله ،وكتبه العقاب الأليم في
الآخرة قال تعال: )إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا
يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ
نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ
نَجْزِي الظَّالِمِينَ ( سورة الأعراف , والذل والصغار والهلاك في
الدنيا قال تعالى : ) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ
بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا
وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا
فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) سورة الأعراف
الدعوة إلى الأخلاق بالترغيب والترهيب :
فبعد صلاح الإيمان واستقامة القلب ، يكون
التوجه لإصلاح المجتمع ولا يكون ذلك إلا بسيادة الأخلاق الحميدة واندثار اضدادها .
والقرآن الكريم في سبيل تربيته للنفوس يقرن كثير بين أسلوبي
الترغيب،ولتربية بالقدوة الصالحة ، قال تعالى :)اذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ
الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ
وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ( سورة مريم ، كما أنه يرغب للأخلاق بذكر ما
يترتب عليه من أجر ، قال تعالى:)) َوبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ
مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ
عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )
سورة البقرة .
والدعوة للأخلاق باستخدام التربية بالترهيب ،
يكون كذلك بذكر ما يترتب على الخلق من مفاسد ، قال تعالى : ( وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا
تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
* وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ
لَصَوْتُ الْحَمِير ) سورة لقمان .( باحاذق , 1994 , ص 130 )
التربية بالترغيب والترهيب على ملازمة الطاعات :
الاهتمام بالطاعات ؛لأنها السياج الذي يحمي القلب من الزيغ وبها يزيد الإيمان وينقص
قال تعالى:( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا
تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا
أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا
الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي
حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ ) سورة الأنعام .
مثال من القرآن الكريم على التقابل بين الترغيب والترهيب:
قال تعالى :(
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )سورة القيامة ،" هذا النص يشير إشارة سريعة إلى حالة تعجز
الكلمات عن تصويرها بكل حقيقته ،والغرض من
هذا التصوير هو ترغيب النفوس في هذا الفضل ودفعها إلى العمل بما يوصل إلى هذه
المنزلة ، ثم انتقلت الآيات إلى وصف أخر ( وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا
فَاقِرَةٌ ( سورة القيامة وشتان بين الوصفين ففي كل منهما استخدم من الألفاظ مع
ما ستناسب مع المعاني الوجدانية التي أريد إثارتها في النفوس (قطب , 1983,ص377 ) .
أسلوب التربية بضرب المثل
تعريف المثل في اللغة:
"المثل بالكسر والتحريك .كأمير؛ الشبة والمثل ألمحركة الحُجة والحديث
وقد مثل به تمثيلًا، وأمثله وتمثله، ومنه (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ
الْمُتَّقُونَ.) الآية سورة محمد ، والمثل :المقدار والقصاص وصفة الشيء والفراش
وتماثل العليل؛قارب البرء...)[3]وتحمل الألفاظ
كلها على المماثلة ،والمشابهة ، ودليل ذلك قوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[سورة الشورى
تعريف المركب (ضرب المثل):
"قياس الشيء أصله تقدير الشيء بالشيء ، ومنه ضرب ألدرهم وهو تقدير ،
وضرب ألجزية والخراج وهو تقديرهما ، والضرب المقدرة ، والضرب في الأرض لأنه يقدر
أثر الماشي بقدره ، وكذلك الضرب بالعصى لأنه تقدير اللام بألته , . ولهذا يسمون
الصورة القياسية الضرب ، كما يقال ضرب لتآلفه واتفاقه .
يمكننا أن نلخص كل ما سبق بقولنا:" الأصل في المثل قائم على تشبيه شيء
بشيء لوجود تشابه أو تماثل بينهما ، أو لورود أكثر من عنصر تشابه .
معنى المثل في الاصطلاح:
لا بد لنا عند بحثنا عن تعريف المثل في المعنى الاصطلاحي الأخذ بتعريف
المفسرين لأن الأمثال القرآنية "لا يستقيم حملها على أصل المعنى اللغوي الذي
هو الشبيه، و النظير، ولا يستقيم حملها على ما يذكر في كتب الذين ألفوا في الأمثال
؛ إذ ليست أمثال القرآن أقوالًا استعملت على وجه
تشبيه مضربها بموردها ، ولا يستقيم حملها على معنى الأمثال الذي ورد عند علماء البيان"
استعملت
على وجه تشبيه مضربها بموردها ، ولا يستقيم حملها على معنى الأمثال الذي ورد عند
علماء البيان ( باحاذق , 1994, ص 207 )
معنى المثل عند الحافظ ابن كثير_ رحمه الله
تعالى_:
"يقال مثل ومثيل أيضا والجمع أمثال قال
الله تعالى : ( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا
إِلَّا الْعَالِمُونَ ) سورة العنكبوت ، وتقدير هذا المثل أن الله سبحانه شبههم في
اشترائهم الضلالة بالهدى ،وصيرورتهم بعد البصيرة إلى العمى بمن استوقد نارا .( ابن
كثير , 1993 , ص154)
وقد أضيفت عند غيره من المفسرين معاني أخرى غير
معنى الشبه والنظير :"وقد حظي المثل بمعاني تكاد تنحصر في الصفة والشبه
والعبرة والوجه، والحجة ،والسنة، والمثل، وذات الشيء .
وقد جاءت الآيات بهذه المعاني للأمثال في آيات عديدات:
المثل بمعنى الصفة:قال تعالى (مَثَلُ
الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ..) سورة محمد
المثل بمعنى القصة:قال تعالى( وَاضْرِبْ لَهُمْ
مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ ) سورة الكهف
المثل بمعنى العبرة والعظة:قال تعالى ( فَجَعَلْنَاهُمْ
سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ)سورة الزخرف .
والمثل بمعنى الحال والشأن: قال تعالى (
(وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ) سورة الروم .
المثل على بابه الأصلي : قال تعالى ( وَكُلًّا
ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا ( سورة الفرقان .
توافق أسلوب التربية بضرب المثل مع الفطرة
التكوينية للإنسان:
يميل الإنسان في
غالب أمره إلى تغليب عقله قبل أن يقر، ويؤمن بما يعرض له ، وهو في سبيل ذلك يميل
إلى تجسيد التصورات وإحالة الخيال إلى مرئيات مقاربه لما يَعرفه ويُدركه.
وهو منذ الصغير
يبدأ عقله في اختزان الصور، والأشكال ،ويقوم بربطها بمسميات ، ويمكن أن نعبر عنها
بالمستودع إن جاز التعبير ، ثم هو عند تعرضه لأمر جديد يحاول ربطه بما لديه من
معلومات في عقله، وهو عند الربط يقوم بالتجسيد للحدث حتى يقتنع به ، فهو يحاول إيجاد
شبه بين القديم المختزن في داخله، وبين الجديد،و لذلك قيل "(سمي المثل مثلاً
لأنه ماثل بخاطر الإنسان أبدا)
فالمثل يقوم بتحويل
الكلمة المتلاة إلى صورة مجسدة "يمنحها الحياة الشاخصة أو الحركة المتجددة ،
فإذا المعنى الذهني هيئة أو حركة ، وإذا الحالة النفسية لوحة، أو مشهد ، وإذا
الأنموذج الإنساني شاخص حي ، وإذا الطبيعة البشرية مجسمة مرئية .( فياض , 1995 , ص 87 )
وأسلوب ضرب المثل من
أقوى الأساليب تأثير على النفس البشرية لذلك نجد أنه عرف على مدار التاريخ ،و يقال
المثل صوت الشعب، والاختلاف الوحيد بين الشعوب
في الأمثال هو في المسميات المستخدمة في الأسلوب لأن كل قوم استخدم ضرب
الأمثال بما هو متعارف عليه في بيئته، وقد شاع الكثير منها ،وانتشر وما ذلك إلا
لأنها"وسائل إيضاح الكثير من الأمور الدقيقة والأفكار العميقة ، إذ جسدت
للناس الحق والباطل ، والهدى، والضلال فإذا بها من أجدى وسائل الهداية، وأقوى ما
عولجت به النفوس .
والأنبياء_ عليهم
الصلاة والسلام
_قد مارسوه لما لهذا
الأسلوب من فوائد جمة في تربية النفوس وإصلاحها ،فهذا نبي الله سليمان _عليه
السلام_قد تضمن العهد القديم من أسفاره _البالغة تسعة وثلاثين_ سفرًا كبير عرف
باسم سفر الأمثال (الفياض , 1995 , ص90)
والمسيح _عليه
السلام
_ت عنه الكثير من
الأمثال في أقواله؛ " أما في العهد الجديد فإن الذين تناقلوا أقوال المسيح
_عليه السلام_، كانوا قد أكثروا من إشارة إلى ضربه للأمثال، كقوله(أحضرت لهم
مثلا)
وقد جاءت الآيات في القرآن
الكريم التي تشير إلى معرفة أهل الكتاب بالأمثال ، قال تعالى ):وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ
تَفْسِيرًا )
سورة الفرقان
و استخدم النبي _صلى
الله عليه وسلم
_لتربية بالأمثال في
كثير من المواضع ؛وما ذلك إلا لأن العرب قد عرف هذا الأسلوب واشتهر بينهم قال
تعالى : ( انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ
الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ) سورة الاسراء ، بل هي الأقرب لأمزجتهم إن صح التعبير وهي
دليل على فصاحتهم وبلاغتهم ،"قال عنها ابن سلام :هي حكمة العرب في الجاهلية
والسلام .( الفياض , 1995 , ص 86 ) .
وقد أخطاء من عدها من
زلات البلغاء، وقصور الفصحاء، وآثار حولها الشبهات ، واتخذها ذريعة ليطعن في
القرآن الكريم ، زاعم أن ضرب المثل بالبعوضة، والذبابة فيه ما لا يليق بالقرآن
الكريم، ويكفي في الرد عليهم قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا
بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا) سورة البقرة، لأن(
.الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ
مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ
بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ
بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ) سورة البقرة .
الفوائد التربوية من أسلوب ضرب المثل:
استخدم القرآن الكريم أسلوب ضرب
المثل لفوائد، وأغراض متعددة " منها التذكير ، والوعظ، والحث، والزجر ،
والاعتبار ، والتقرير، وتقريب المراد للعقل، وتصويره في صورة المحسوس بحيث يكون نسبته للعقل كنسبة
المحسوس إلى الحس وكلها أهداف تصب في مصب
واحد هو القدرة على التأثير على العقل، أو النفس، أو القلب بأسلوب تربوي فريد ،
يعين المربين على الوصول إلى الهدف المنشود من التربية ،ويمكننا التفصيل فيها على
النحو التالي:
وسيلة إقناع بتقريب البعيد وإيضاح الخفي:
يحتاج المربي إلى إيضاح كثير من الأمور الحسية ،والتي لا يمكن مشاهدتها
بالعين الُمشَاهِدة؛وخاصة الأمور التي لم تكن معروفة من قبل لدى الإنسان ، ولكن
القرآن الكريم استطاع بأسلوبه التربوي
الفريد في ضربه للأمثال أن يقرب للأذهان، وأوضح للبصائر الكثير من الأمور التي لم
تكن معهودة من قبل عند العرب وجعلها كأنها
أمور معروفة رغم وَجَازة الألفاظ في الأمثال القرآنية .
مثال: قال تعالى (وَحُورٌ عِينٌ ) سورة الواقعة وهو معنى جديد ولم يكن من المعهودات عند العرب،
ولكن الصحابة _رضي الله عنهم_أمنوا بما لم يكن معلومًا عندهم ،وصدقوا ،وأصبح
المعنى مفهوم لديهم ،لأن
الله تعالى قد قرنه بما جاء بعده ]كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ[سورة الواقعة
وسيلة لرفع الجهالة عن الشيء :
فعدم المعرفة بحقيقة الشيء يجعل الاستجابة صعبة ،ولكن بتقريب المعنى بضرب
مثل من المعلوم يجعل الأمر واضح منظورا.
مثال: قال تعالى:( وَاضْرِبْ
لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ
فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ
وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا) سورة الهكف . هنا أصبح قصر الحياة وسرعة زوالها أمر معلوم
واضح؛لأنه
قرنها بما يبين سرعة الزوال والانقضاء.
الترغيب بالفضائل والنهي عن الرذائل :
وطريقة القرآن التربوية لتعليم الناس كل فضيل، ونهيهم عن كل رذيل ، بقرن
الممدوح من الفضائل بممدوح، أو محبوب معروف عند الناس ، وقرن الرذيل بالحقير،
والقبيح مما ينفر النفوس منه.
قال تعالى :( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ
اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ
وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) سورة إبراهيم .
قال تعالى: ) وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ
أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ )سورة الحجرات .
المدح والذم والتعظيم والتحقير :
ضرب الأمثال من أفضل الأساليب التربوية في رفع قيمة الشيء المعنوية حتى
تتوق إليه القلوب وترتفع إليها الأبصار ويعتز بفعله الناس ، كما يمكن تحقير الشيء
،والتقليل منه بربطه مع حقير يماثله .
قال
تعالى : ( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ
حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ( سورة البقرة .
وفي التقليل من شأن الشيء وتحقيره قال تعالى:( مَثَلُ
الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ
يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ
اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (سورة الجمعة
توسيع مدارك العقل ليصل إلى مرحلة التفكير:
قال تعالى:( لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ
خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا
لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) سورة الحشر , فهذا المثل دعوة للتأمل،
والتفكير ليظهر للمؤمنين العظمة القرآنية، وشاهد ذلك قوله تعالى( َعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ )فلن يصل المسلم إلى إدراك مدى عظمة القرآن الكريم إلا بإعمال
الفكر والاجتهاد في الأمر .
والتفكير يؤدي هنا للإيمان، وزيادته، وإلى
العمل، والاستكثار منه ، كما يؤدي للرضا، واليقين وبالتالي شكر الله وحمده ودعائه
بتمام فضله.
الفائدة أو الغرض الأهم؛الوصول إلى الأيمان
بالله تعالى ووحدانيته :
وقد ضربت الكثير من الأمثال القرآنية لتحقيق هذا الغرض والدعوة إليه ،قال
تعالى: (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ
سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ
لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) سورة الروم .
وقال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ
مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ
يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ
شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) الحج
ولا
يمكن أن يقال أن هذه هي كل الفوائد التربوية من أسلوب ضرب المثل ؛ ولكن لأن الغرض
الأصلي من البحث بيان بعض أساليب القرآن التربوية , وإلا فهذا الأسلوب من أغنى الأساليب في التربية
ومن أحبها للنفوس وأسهلها في الإقناع.
أسلوب التربية بالقصة القرآنية
من
تمام الأساليب القرآنية في التربية أسلوب التربية بالقصة؛ لأنها من الأساليب التي
تتوافق مع التوجه الفطري للنفس ،والقصة في القرآن الكريم تختلف عن القصة في أي
مجال آخر؛لأن
الغرض من سوق القصة في القرآن الكريم يتوافق مع الغرض من إيراد غيرها من الأساليب
فكلها جاءت لتحقيق هدف ديني واحد،" وهو تعبيد الناس لله تعالى ، من خلال توحيد عقيدتهم ، وحسن معاملتهم لبعضهم بعضًا ، وطيب أخلاقهم وقيَمهم وجمال عاداتهم "[4]
والقرآن الكريم"يستخدم القصة لجميع أنواع التربية ،والتوجيه التي
يشملها منهجه التربوي ؛تربية الروح، وتربية العقل ،وتربية الجسم .."[5]
تعريف القصة في اللغة:
القصة،والقصص" :قصصت الشيء إذا تتبعت أثره شيئا بعد شيء ومنه
قول
الله
تعالى : ] وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ
عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [سورة القصص،28/11؛أي اتبعي أثره
تعريف القصة القرآنية في الاصطلاح:
"مجموعة من الأحداث السابقة زمانًا يُخبرنا الله تعالى عنها للاعتبار، والاّتعاظ ، تتناول حادثة واحدة، أو عدة حوادث ، تتعّلق بشخصيات إنسانية، أو غير إنسانية حقيقة سابقة برزت في الخير، أو في الشر ، على غرار ماتقوم به الشخصيات الإنسانية الحاليّة ، ويكون دور هذه الشخصيات دافعًا للتأّثر والتأثير في الخير اقتداءً، أو في الشر ابتعادًا .
توافق أسلوب التربية بالقصة مع الفطرة البشرية
:
حرص القرآن الكريم على
تربية العقل، والقلب، والنفس، ولذلك نجده قد نوع الأساليب لتتوافق مع جميع
الاحتياجات التربوية ،ولا شك أن وجود القصة في القرآن الكريم يدل على أن التربية
بالقصة أمر في غاية الأهمية ونلاحظ أن القصة قد أخذت حيز غير قليل من آيات القرآن
الكريم ، ويلاحظ أن القصص القرآني قد نوع بين الحديث عن عهود قديمة سابقة، وبين
الحديث عن مجريات الأمور مع النبي _صلى الله عليه وسلم_ ، ولكن نجد أن القاسم
المشترك بين جميع هذه القصص أنها قصص حقيقية تم صياغتها بطريقة فنية تدل على أنها
ليست من البشر .
العاملان المهمان في التربية بالقصة:
الأول:إثارة انفعال الخيال :
والتخيل "يقوم على التصور ،وهو استحضار صور الأشياء رغم غيابها عن
حواسنا ، فعند إيراد القصة يقوم عامل التخيل باستحضار الصور ،وتحليلها ،وتركيبها
،ومن ثَم تحدث" المعايشة النفسية ، و الوجدانية والعقلية للقصة وأشخاصها ،وأحداثها
مما يزيد من التواصل مع حقائقها ،ومعانيها ،والدروس ، والعبر التي تتناولها .
والثاني: وهو بارز في أسلوب التربية بالقصة في
القرآن الكريم :
اتبع القرآن الكريم أسلوب ختم القصة بالتركيز على الهدف التربوي من القصة
سواء كان يحذر من أمر جاء في مجريات القصة أم يثبت فضيلة يدعوا إليها من خلال
إيراد القصة، ويمكن أن يكون المقصود من القصة يسبق القصة أو يتوسطها فالأسلوب
التربوي القصصي القرآني" يتضمن بالإضافة إلى استعراض الأحداث يضمن أيضا
التعليقات والإشارات القرآنية واضحة الدلالة على العبر، والدروس المستفادة من هذه القصص مما ينمي من معارف،
وخبرات المؤمن أنواع القصص في القرآن الكريم :
"قصص الأنبياء مع أقوامهم وما تخللها من أحداث مختلفة :نوح ،وإبراهيم
،وموسى ،وعيسى ...._عليهم الصلاة والسلام _الخ
قصص
خاصة بحوادث تاريخية ،وأشخاص سابقين :طالوت ،وأصحاب
الأخدود ،و أهل الكهف...الخ.
سيرة الرسول_ صلى الله عليه وسلم_،وما
تخللها من أحداث: الإسراء والمعراج ،والهجرة النبوية،والغزوات..الخ .
الفوائد التربوية من أسلوب التربية بالقصة :
القدوة الحسنة:
من أهم معطيات القصة ألقرآنية ولا سيما قصص الأنبياء_ عليهم الصلاة والسلام
_والمتضمنة غير قليل من الأخلاق الحميدة إيجاد القدوة البشرية ، والمتمثلة في
الشخوص المقصودين بالقصة ، وهو مرتكز مهم في التربية ؛ لأن وجود من تمثل بالخلق،
أو القضية المقصودة دليل على إمكانية العمل بمثل عملهم .
وقد
حث القرآن الكريم في غير موضع من القرآن على الاقتداء بالأنبياء عليهم ألصلاة
والسلام إما على سبيل الإجمال كما جاء في قوله تعالى)
أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ
لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ)
الأنعام .
أو على سبيل التفصيل ،والتحديد كقوله تعالى: ) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) سورة
الأحزاب:
القدوة السيئة:
إظهار مساوئ النفس البشرية بضرب أمثلة من النفوس المريضة والتي تدعو قصصهم
إلى مذمة مماثلتهم، أو السير على طريقهم .
قال تعالى:( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ
مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ
لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ
إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) سورة القصص
الدعوة إلى الأخلاق الحميدة وترك الأخلاق
المذمومة:
قال تعالى: ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ
فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ
وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )
سورة التحريم
وبالمقابل الأخلاق المذمومة :قال الله تعالى) : إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ
أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ
وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ( سورة القصص
أخذ العظة والعبرة من القصة:
وقد دل على ذلك ختم كثير من القصص القرآنية بما يفيد أن إيرادها عبرة
،وذكرى ، قال تعالى( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ
مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ
وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) سورة يوسف .
سوق القلوب إلى وحدانية الله تعالى وإثبات أن
القرآن كتاب الله تعالى:
وذلك لأن الذي يقص علينا قصص من مضى بكل هذه الدقة ،وعدم التناقض بين القصة
التي ربما تكرر ذكرها في مواضع متعددة تدل على أن هذا الكتاب من عند الله .
تدريب العقول على التأمل ،والتفكر:
فالتأمل والتفكر في مجريات الأحداث
للتدبر في أسبابها، ومآلها خاصة عندما تعرض القصة الواحدة من أكثر من زاوية وبأكثر
من طريقة عرض.
إظهار إعجاز القرآن الكريم من نواحي متعددة :
الإعجاز الغيبي:بذكر قصص حدثت قبل ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم ويستحيل
على النبي صلى الله عليه وسلم تلفيقها:قال تعالى: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ
لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا
كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ) سورة آل عمران ،وقال تعالى:( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ
الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ
قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ) سورة يوسف
الإعجاز الصياغي للقرآن :
"تتميز القصة في القرآن الكريم بأنها تمتزج بموضوعات السورة التي ترد
فيها امتزاجاً عضوياً لا مجال فيها للفصل بينها، وبين غيرها من موضوعات السورة ،
بحيث لو حذفنا القصة من موقعها الوارد في السورة لاختل المعنى ، لأن القصة تسهم في
بيان مضمون النص وإيضاحه للقارئ ، فلو حذفنا على سبيل المثال ، قصة الغراب التي
وردت أثناء الحديث عن قصة ابني آدم قابيل ،وهابيل لما استقام المعنى ؛ لأن الغرض
من ذكر الغرابين كان لحكمة إلهية لبيان حكمة دفن الموتى.
ولا ترد القصة في القرآن الكريم إلا إذا تطلبها
المقام واقتضت البلاغة ذكرها، ويذكر الجزء الذي له علاقة بموضوع السورة، ولا تذكر
القصة كاملة ( الصعبي , 2007 , ص 21 ) .
المراجع
1-
ابن منظور الافريقي , لسان العرب , دار أحياء
التراث العربي , بيروت 1997 ,1427 , ج5 .
2-
الامام عبدالعظيم الزرقني , تحقيق فواز احمد
زمرلي , مناهل القران في علوم القران , دار الكتاب العربي , بيروت , ط1 , 1995
,1425 , ج1 .
3-
محب الدين المرتضى الزبيدي , تاج العروس من
جواهر القاموس , دار الهداية للنشر والتوزيع ,ط1425 , ج1 .
4-
سعيد اسماعيل واخرون ,التربية الاسلامية
المفهومات والتطبيقات , مكتبة الرشد ,ط3 ,2007,1428 .
5-
فاخر عاقل , قاموس التربية , دار القلم , بيروت
, 1983 .
6-
امير ابولاوي , اصول التربية الاسلامية , دار
ابن الجوزي , الدمام ,1999 .
7-
محمد السيد الزعيلاوي , تربية المراهقين بين
الاسلام وعلم النفس , موسسة الكتب الثقافية , 1988 .
8-
سيد قطب , في ظلال القران , دار الشروق , ط8 ,
1994م .
9-
موسى الخطيب , من دلائل الاعجاز العلمي في
القران والسنة , دار الكتب الثقافي , 2004 .
10-
عمر باحاذق ,أسلوب القران بين الهداية والأعجاز
, دار الأمون للتراث ,1994 .
11-
ابن كثير اسماعيل القرشي , تفسير القران العظيم
, دار الكتب الثقافية , 1993.
12-
جلال الدين السيوطي , الاتقان في علوم القران ,
مطبعة المشهد الحسني , 1951 .
13-
محمد جابر الفياض , الأمثال في القران الكريم ,
الدار العلمية للكتاب الاسلامي ,ط3 , 1995 .
14-
ابراهيم الصعبي , القصة في القران الخصائص
والدلائل , مكتبة الرشد , 2004 .
.
0 التعليقات:
إرسال تعليق